ماي واي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الأربعون النوويه مع الشرح

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
سماح




عدد المساهمات : 475
تاريخ التسجيل : 29/12/2012

الأربعون النوويه مع الشرح Empty
مُساهمةموضوع: الأربعون النوويه مع الشرح   الأربعون النوويه مع الشرح Emptyالجمعة أبريل 19, 2013 7:38 pm

الأربعون النوويه مع الشرح 5310

الأربعون النوويه مع الشرح
الأربعون النوويه مع الشرح
[/size]


الحديث الأول : إنما الأعمال بالنيات





الحديث



عن أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (
إنما الأعمال بالنيّات ، وإنما لكل امريء مانوى ، فمن كانت هجرته إلى
الله ورسوله ، فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها ، أو
امرأة ينكحها ، فهجرته إلى ما هاجر إليه )
. رواه البخاري و مسلم في صحيحهما .




الشرح



لقد
نال هذا الحديث النصيب الأوفر من اهتمام علماء الحديث ؛ وذلك لاشتماله
على قواعد عظيمةٍ من قواعد الدين ، حتى إن بعض العلماء جعل مدار الدين
على حديثين : هذا الحديث ، بالإضافة إلى حديث عائشة رضي الله عنها : ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) ؛ ووجه ذلك : أن الحديث السابق ميزان للأعمال الظاهرة ، وحديث الباب ميزان للأعمال الباطنة .




والنيّة
في اللغة : هي القصد والإرادة ، فيتبيّن من ذلك أن النيّة من أعمال
القلوب ، فلا يُشرع النطق بها ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن
يتلفظ بالنية في العبادة ، أما قول الحاج : " لبيك اللهم حجاً " فليس
نطقاً بالنية ، لكنه إشعارٌ بالدخول في النسك ، بمعنى أن التلبية في الحج
بمنزلة التكبير في الصلاة ، ومما يدل على ذلك أنه لو حج ولم يتلفّظ بذلك
صح حجه عند جمهور أهل العلم .




وللنية
فائدتان : أولاً : تمييز العبادات عن بعضها ، وذلك كتمييز الصدقة عن
قضاء الدين ، وصيام النافلة عن صيام الفريضة ، ثانياً : تمييز العبادات
عن العادات ، فمثلاً : قد يغتسل الرجل ويقصد به غسل الجنابة ، فيكون هذا
الغسل عبادةً يُثاب عليها العبد ، أما إذا اغتسل وأراد به التبرد من
الحرّ ، فهنا يكون الغسل عادة ، فلا يُثاب عليه ، ولذلك استنبط العلماء
من هذا الحديث قاعدة مهمة وهي قولهم : " الأمور بمقاصدها " ، وهذه
القاعدة تدخل في جميع أبواب الفقه .




وفي صدر هذا الحديث ابتدأ النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : ( إنما الأعمال بالنيات ) ،
أي : أنه ما من عمل إلا وله نية ، فالإنسان المكلف لا يمكنه أن يعمل
عملاً باختياره ، ويكون هذا العمل من غير نيّة ، ومن خلال ما سبق يمكننا
أن نرد على أولئك الذين ابتلاهم الله بالوسواس فيكررون العمل عدة مرات
ويوهمهم الشيطان أنهم لم ينووا شيئا ، فنطمئنهم أنه لا يمكن أن يقع منهم
عمل باختيارهم من غير نيّة ، ما داموا مكلفين غير مجبرين على فعلهم .




ويستفاد من قوله صلى الله عليه وسلم : ( وإنما لكل امريء ما نوى ) وجوب
الإخلاص لله تعالى في جميع الأعمال ؛ لأنه أخبر أنه لا يخلُصُ للعبد من
عمله إلا ما نوى ، فإن نوى في عمله اللهَ والدار الآخرة ، كتب الله له
ثواب عمله ، وأجزل له العطاء ، وإن أراد به السمعة والرياء ، فقد حبط
عمله ، وكتب عليه وزره ، كما يقول الله عزوجل في محكم كتابه : { فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا } ( الكهف : 110 ) .




وبذلك
يتبين أنه يجب على الإنسان العاقل أن يجعل همّه الآخرةَ في الأمور كلها ،
ويتعهّد قلبه ويحذر من الرياء أو الشرك الأصغر ، يقول النبي صلى الله
عليه وسلم مشيراً إلى ذلك : ( من كانت الدنيا همّه ،
فرّق الله عليه أمره ، وجعل فقره بين عينيه ، ولم يأته من الدنيا إلا ما
كُتب له ، ومن كانت الآخرة نيّته ، جمع الله له أمره ، وجعل غناه في
قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة )
رواه ابن ماجة .




ومن
عظيم أمر النيّة أنه قد يبلغ العبد منازل الأبرار ، ويكتب له ثواب أعمال
عظيمة لم يعملها ، وذلك بالنيّة ، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه قال لما رجع من غزوة تبوك : ( إن بالمدينة
أقواما ما سرتم مسيراً ، ولا قطعتم وادياً ، إلا كانوا معكم ، قالوا يا
رسول الله : وهم بالمدينة ؟ قال : وهم بالمدينة ، حبسهم العذر )
رواه البخاري .




و لما كان قبول الأعمال مرتبطاً بقضية الإخلاص ، ساق النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً ليوضح الصورة أكثر ، فقال : (
فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله ، فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت
هجرته لدنيا يصيبها ، أو امرأة ينكحها ، فهجرته إلى ما هاجر إليه )
،
وأصل الهجرة : الانتقال من دار الكفر إلى دار الإسلام ، أو من دار
المعصية إلى دار الصلاح ، وهذه الهجرة لا تنقطع أبداً ما بقيت التوبة ؛
فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها ) رواه الإمام أحمد في مسنده و أبوداود و النسائي في السنن ، وقد يستشكل البعض ما ورد في الحديث السابق ؛ حيث يظنّ أن هناك تعارضاً بين هذا الحديث وقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا هجرة بعد الفتح ) كما
في " الصحيحين " ، والجواب عن ذلك : أن المراد بالهجرة في الحديث الأخير
معنىً مخصوص ؛ وهو : انقطاع الهجرة من مكة ، فقد أصبحت دار الإسلام ،
فلا هجرة منها .




على
أن إطلاق الهجرة في الشرع يراد به أحد أمور ثلاثة : هجر المكان ، وهجر
العمل ، وهجر العامل ، أما هجر المكان : فهو الانتقال من دار الكفر إلى
دار الإيمان ، وأما هجر العمل : فمعناه أن يهجر المسلم كل أنواع الشرك
والمعاصي ، كما جاء في الحديث النبوي : ( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه ) متفق
عليه ، والمقصود من هجر العامل : هجران أهل البدع والمعاصي ، وذلك مشروط
بأن تتحقق المصلحة من هجرهم ، فيتركوا ما كانوا عليه من الذنوب والمعاصي
، أما إن كان الهجر لا ينفع ، ولم تتحقق المصلحة المرجوّة منه ، فإنه
يكون محرماً .




ومما يُلاحظ في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قد خصّ المرأة بالذكر من بين الدنيا في قوله : ( أو امرأة ينكحها ) ، بالرغم من أنها داخلة في عموم الدنيا ؛ وذلك زيادة في التحذير من فتنة النساء ؛ لأن الافتتان بهنّ أشد ، مِصداقاً للحديث النبوي : ( ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء ) متفق عليه ، وفي قوله : ( فهجرته إلى ما هاجر إليه ) ، لم يذكر ما أراده من الدنيا أو المرأة ، وعبّر عنه بالضمير في قوله : ( ما هاجر إليه ) ، وذلك تحقيراً لما أراده من أمر الدنيا واستهانةً به واستصغاراً لشأنه ، حيث لم يذكره بلفظه .

ومما
يستفاد من هذا الحديث - علاوة على ماتقدم - : أن على الداعية الناجح أن
يضرب الأمثال لبيان وإيضاح الحق الذي يحمله للناس ؛ وذلك لأن النفس
البشرية جبلت على محبة سماع القصص والأمثال ، فالفكرة مع المثل تطرق
السمع ، وتدخل إلى القلب من غير استئذان ، وبالتالي تترك أثرها فيه ،
لذلك كثر استعمالها في الكتاب والسنة ، نسأل الله تعالى أن يرزقنا
الإخلاص في القول والعمل ، والحمد لله رب العالمين.
الحديث الثاني : بيان الإسلام والإيمان والإحسان




الحديث
عن عمر بن الخطاب رضي
الله عنه قال : بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات
يوم ، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب ، شديد سواد الشعر ، لا يرى
عليه أثر السفر ، ولا يعرفه منا أحد ، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه
وسلم فأسند ركبته إلى ركبتيه ، ووضح كفيه على فخذيه ، وقال : " يا محمد أخبرني عن الإسلام " ، فقال له : (
الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وتقيم الصلاة
وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا )
، قال : " صدقت " ، فعجبنا له يسأله ويصدقه ، قال : " أخبرني عن الإيمان " قال : ( أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشره ) ، قال : " صدقت " ، قال : " فأخبرني عن الإحسان " ، قال : ( أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) ، قال : " فأخبرني عن الساعة " ، قال : ( ما المسؤول بأعلم من السائل ) ، قال : " فأخبرني عن أماراتها " ، قال : ( أن تلد الأمة ربتها ، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء ، يتطاولون في البنيان ) ثم انطلق فلبث مليا ، ثم قال : ( يا عمر ، أتدري من السائل ؟ ) ، قلت : "الله ورسوله أعلم " ، قال : ( فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم ) رواه مسلم .




الشرح



هذا
الحديث عظيم القدر ، كبير الشأن ، جامع لأبواب الدين كله ، بأبسط أسلوب ،
وأوضح عبارة ، ولا نجد وصفا جامعا لهذا الحديث أفضل من قوله صلى الله
عليه وسلم : ( فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم ) .




وقد
تناول الحديث الذي بين أيدينا حقائق الدين الثلاث : الإسلام والإيمان
والإحسان ، وهذه المراتب الثلاث عظيمة جدا ؛ لأن الله سبحانه وتعالى علق
عليها السعادة والشقاء في الدنيا والآخرة ، وبين هذه المراتب ارتباط وثيق
، فدائرة الإسلام أوسع هذه الدوائر ، تليها دائرة الإيمان فالإحسان ،
وبالتالي فإن كل محسن مؤمن ، وكل مؤمن مسلم ، ومما سبق يتبيّن لك سر
العتاب الرباني على أولئك الأعراب الذين ادّعوا لأنفسهم مقام الإيمان ،
وهو لم يتمكّن في قلوبهم بعد ، يقول الله في كتابه : { قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم } ( الحجرات : 14 ) ، فدل هذا على أن الإيمان أخصّ وأضيق دائرةً من الإسلام .




وإذا
أردنا التعمّق في فهم المراتب السابقة ، فإننا نجد أن الإسلام : هو
التعبد لله سبحانه وتعالى بما شرع ، والاستسلام له بطاعته ظاهرا وباطنا ،
وهو الدين الذي امتن الله به على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمته ،
وجعله دين البشرية كلها إلى قيام الساعة ، ولا يقبل من أحد سواه ،
وللإسلام أركان ستة كما جاء في الحديث ، أولها شهادة أن لا إله إلا الله ،
وأن محمدا رسول الله ، وفي الجمع بينهما في ركن واحد إشارة لطيفة إلى أن
العبادة لا تتم ولا تُقبل إلا بأمرين : الإخلاص لله تعالى ، ومتابعة
الرسول صلى الله عليه وسلم ، كما جاء في قوله تعالى : { فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا } ( الكهف : 110 ) .




والملاحظ
هنا أن الحديث فسّر الإسلام هنا بالأعمال الظاهرة ، وذلك لأن الإسلام
والإيمان قد اجتمعا في سياق واحد ، وحينئذ يفسر الإسلام بالأعمال الظاهرة
كما أشرنا ، ويفسر الإيمان بالأعمال الباطنة من الاعتقادات وأعمال
القلوب .




أما
الإيمان فيتضمن أمورا ثلاثة : الإقرار بالقلب ، والنطق باللسان ، والعمل
بالجوارح والأركان ، فالإقرار بالقلب معناه أن يصدق بقلبه كل ما ورد عن
الله تعالى ، وعن رسوله صلى الله عليه وسلم من الشرع الحكيم ، ويسلّم به
ويذعن له ، ولذلك امتدح الله المؤمنين ووصفهم بقوله : { إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا } (
الحجرات : 15 ) ، ويقابل ذلك النفاق ، فالمنافقون مسلمون في الظاهر ،
يأتون بشعائر الدين مع المسلمين ، لكنهم يبطنون الكفر والبغض للدين .




والمقصود
بالنطق باللسان هو النطق بالشهادتين ، ولا يكفي مجرد الاعتراف بوجود
الله ، والإقرار بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم دون أن يتلفّظ بالشهادتين
، بدليل أن المشركين كانوا يقرون بأن الله هو الخالق الرازق المدبر ،
كما قال عزوجل : { قل من يرزقكم من السماء والأرض أم
من يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن
يدبر الأمر فسيقولون الله }
( يونس : 31 ) ، ولكنهم امتنعوا عن قول كلمة التوحيد ، واستكبروا : { إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون } ( الصافات : 35 ) ، وها هو أبوطالب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقر بنبوة ابن أخيه ، ويدافع عنه وينصره ، بل كان يقول:

ولقد علمت بأن دين محمد من خير أديان البريّة دينا
لولا الملامة أو حذار مسبّة لوجدتني سمحا بذاك مبينا
فلم
ينفعه ذلك ، ولم يخرجه من النار ؛ لأنه لم يقبل أن يقول كلمة الإيمان
ومفتاح الجنة ، ولهذا كانت هذه الكلمة هي التي تعصم أموال الناس ، وتحقن
دماءهم ، ففي الحديث الصحيح : ( أمرت أن أقاتل الناس
حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، ويقيموا الصلاة ،
ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق
الإسلام ، وحسابهم على الله )
متفق عليه ، وقد أجمع العلماء على أن من لم ينطق الشهادتين بلسانه مع قدرته ، فإنه لا يُعتبر داخلاً في الإسلام .




أما
العمل بمقتضى هذا الإيمان ، فهو قضية من أعظم القضايا التي غفل الناس عن
فهمها ، فالإيمان لا يمكن أن يتحقق إلا بالعمل ، والشريعة مليئة بالنصوص
القاطعة الدالة على ركنيّة العمل لصحّة الإيمان ، فقد قال تعالى : { ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين } ( النور : 47 ) ولا شك أن ترك العمل بدين الله من أعظم التولي عن طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم .




وبهذا
يتبين لك ضلال من ابتعد عن نور الله ، وترك العمل بشريعته ، فإذا نصحته
بصلاة أو زكاة احتج لك بأن الإيمان في القلب ، ونسي أن العمل يصدق ذلك أو
يكذبه - كما قال الحسن البصري رحمه الله - ، إذ لو كان إيمانه صادقا لأورث العمل ، وأثمر الفعل ، كما قيل :

والدعاوى مالم يقيموا عليها بينات أصحابها أدعياء



وإذا
كان الإيمان متضمنا لتلك الأمور الثلاثة ، لزم أن يزيد وينقص ، وبيان
ذلك : أن الإقرار بالقلب يتفاوت من شخص لآخر ، ومن حالة إلى أخرى ، فلا
شك أن يقين الصحابة بربهم ليس كغيرهم ، بل الشخص الواحد قد تمرّ عليه
لحظات من قوة اليقين بالله حتى كأنه يرى الجنة والنار ، وقد تتخلله لحظات
ضعف وفتور فيخفّ يقينه ، كما قال حنظلة رضي
الله عنه : " نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرنا بالنار
والجنة حتى كأنها رأي عين ، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه
وسلم عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات فنسينا كثيرا " ، إذاً فإقرار
القلب متفاوت ، وكذلك الأقوال والأعمال ؛ فإن من ذكر الله كثيرا ليس
كغيره ، ومن اجتهد في العبادة ، وداوم على الطاعة ، ليس كمن أسرف على
نفسه بالمعاصي والسيئات.




وأسباب
زيادة الإيمان كثيرة ، منها : معرفة أسماء الله وصفاته ؛ فإذا علم العبد
صفة الله " البصير " ابتعد عن معصية الله تعالى ، لأنه يستشعر مراقبة
الله له ، وإذا قرأ في كتاب الله قوله : { قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير } اطمأن قلبه ، ورضي بقضاء الله وقدره ، ومنها : كثرة ذكر الله تعالى ؛ لأنه غذاء القلوب ، وقوت النفوس ، مصداقا لقوله تعالى : { ألا بذكر الله تطمئن القلوب } ( الرعد : 28 ) ، ومن أسباب زيادة الإيمان : النظر في آيات الله في الكون ، والتأمل في خلقه ، كما قال تعالى : { وفي الأرض آيات للموقنين ، وفي أنفسكم أفلا تبصرون } ( الذاريات : 20 - 21 ) ، ومنها : الاجتهاد في العبادة، والإكثار من الأعمال الصالحة .




ثم
تناول الحديث - الذي بين أيدينا - مرتبة الإحسان ، وهي أعلى مراتب الدين
وأشرفها ، فقد اختص الله أهلها بالعناية ، وأيدهم بالنصر ، قال عزوجل : { إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون } ( النحل : 128 ) ، والمراد بالإحسان هنا قد بيّنه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : ( أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) ، وهذه درجة عالية ولا شك ، لأنها تدل على إخلاص صاحبها ، ودوام مراقبته لله عزوجل .




ثم سأل جبريل عليه
السلام عن الساعة وعلاماتها ، فبيّن النبي صلى الله عليه وسلم أنها مما
اختص الله بعلمه ، وهي من مفاتيح الغيب التي لا يعلمها إلا الله ، لكنه
بين شيئا من أماراتها ، فقال : ( أن تلد الأمة ربتها ) ،
يعني أن تكون المرأة أمة فتلد بنتا ، وهذه البنت تصبح سيدة تملك الإماء ،
وهذا كناية عن كثرة الرقيق ، وقد حصل هذا في الصدر الأول من العهد
الإسلامي ، أما العلامة الثانية : ( وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء ، يتطاولون في البنيان ) ، ومعناه أن ترى الفقراء الذين ليسوا بأهل للغنى ولا للتطاول ، قد فتح الله عليهم فيبنون البيوت الفارهة ، والقصور الباهرة .




نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا علما نافعا ، وعملا صالحا متقبلا ، والحمد لله رب العالمين .


الحديث الثالث : أركان الإسلام


الحديث
عن أبي عبدالرحمن عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (
بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ،
وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وحج البيت ، وصوم رمضان )
رواه البخاري و مسلم .




الشرح



الإسلام
في حقيقته هو اتباع الرسل عليهم السلام فيما بعثهم الله به من الشرائع
في كل زمان ، فهم الطريق لمعرفة مراد الله من عباده ، فكان الإسلام لقوم موسى أن يتبعوا ما جاء به من التوراة ، وكان الإسلام لقوم عيسى اتباع ما أنزل عليه من الإنجيل ، وكان الإسلام لقوم إبراهيم اتباع ما جاء به من البينات والهدى ، حتى جاء خاتم الأنبياء محمد صلى
الله عليه وسلم ، فأكمل الله به الدين ، ولم يرتض لأحد من البشر أن
يتعبده بغير دين الإسلام الذي بَعث به رسوله ، يقول الله عزوجل : { ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين } ( آل عمران : 85 ) ، فجميع الخلق بعد محمد صلى الله عليه وسلم ملزمون باتباع هذا الدين ، الذي ارتضاه الله لعباده أجمعين .




ومن
طبيعة هذا الدين - الذي ألزمنا الله باتباعه - أن يكون دينا عالميا ،
صالحاً لكل زمان ومكان ، شمولياً في منهجه ، متيناً في قواعده ، راسخاً في
مبادئه ؛ ومن هنا شبهه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي بين
أيدينا بالبناء القوي ، والصرح العظيم ، ثم بين في الحديث الأركان التي
يقوم عليها صرح الإسلام .





وأول
[size=21][font=Georgia]وفي مثل هذه المشتبهات وجّه النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى سلوك مسلك الورع ، وتجنب الشبهات ؛ فقال : ، فبيّن أن متقي الشبهات قد برأ دينه من النقص ؛ لأن من اجتنب الأمور المشتبهات سيجتنب الحرام من باب أولى ، كما في رواية أخرىوفيها : ، وإضافةً إلى ذ

هذه الأركان وأعظمها كلمة التوحيد بطرفيها: " لا إله إلا الله ، محمد


رسول الله " ، فهي المفتاح الذي يدخل به العبد إلى رياض الدين ، ويكون به


مستحقاً لجنات النعيم ، أما الطرف الأول منها " لا إله إلا الله "


فمعناه أن تشهد بلسانك مقرا بجنانك بأنه لا يستحق أحد العبادة إلا الله


تبارك وتعالى ، فلا نعبد إلا الله ، ولا نرجو غيره ، ولا نتوكل إلا عليه ،


فإذا آمن العبد بهذه الكلمة ملتزمًا بما تقتضيه من العمل الصالح، ثبته


الله وقت الموت، وسدد لسانه حتى تكون آخر ما يودع به الدنيا، و ( من كان آخر كلامه لا إله إلا الله وجبت له الجنة ) .




أما شهادة أن محمداً رسول الله ، فتعني أن تؤمن بأنه مبعوث رحمة للعالمين ، بشيراً ونذيراً إلى الخلق كافة ، كما يقول الله سبحانه : {


قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات


والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي


يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون } ( الأعراف : 58 ) ،


ومن مقتضى هذه الشهادة أن تؤمن بأن شريعته ناسخة لما سبقها من الأديان ؛


ولذلك أقسم النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( والذي


نفس محمد بيده ، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة ، يهودي ولا نصراني ، ثم


يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به ، إلا كان من أصحاب النار ) رواه مسلم ،


ومن مقتضاها أن تؤمن وتعتقد أن كل من لم يصدّق بالنبي صلى الله عليه


وسلم ولم يتّبع دينه ، فإنه خاسر في الدنيا والآخرة ، ولا يقبل الله منه


صرفا ولا عدلا ، سواء أكان متبعا لديانة منسوخة أو محرفة أخرى ، أم كان


غير متدين بدين ، فلا نجاة في الآخرة إلا بدين الإسلام ، واتباع خير


الأنام عليه الصلاة والسلام .



ومن


الملاحظ هنا أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الشهادتين ركنا واحد ؛ وفي


ذلك إشارة منه إلى أن العبادة لا تتم إلا بأمرين ، هما : الإخلاص لله :


وهو ما تضمنته شهادة أن لا إله إلا الله ، والمتابعة لرسول الله صلى الله


عليه وسلم ، وهو مقتضى الشهادة بأنه رسول الله .



الركن


الثاني : إقامة الصلاة المفروضة على العبد ، فالصلاة صلة بين العبد وربه


، ومناجاة لخالقه سبحانه ، وهي الزاد الروحي الذي يطفيء لظى النفوس


المتعطشة إلى نور الله ، فتنير القلب ، وتشرح الصدر .



وللصلاة


مكانة عظيمة في ديننا ؛ إذ هي الركن الثاني من أركان الإسلام ، وأول ما


يحاسب عنه العبد يوم القيامة ، وقد فرضها الله على نبيه صلى الله عليه


وسلم في أعلى مكان وصل إليه بشر ، وفي أشرف الليالي ، ففي ليلة الإسراء


في السماء السابعة ، جاء الأمر الإلهي بوجوبها ، فكانت واجبة على المسلم


في كل حالاته ، في السلم والحرب ، والصحة والمرض ، ولا تسقط عنه أبداً


إلا بزوال العقل .



وكذلك فإنها العلامة الفارقة بين المسلم والكافر ، يدل على ذلك ما جاء في حديث جابر رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة ) رواه مسلم .



وثالث


هذه الأركان : إيتاء الزكاة ، وهي عبادة مالية فرضها الله سبحانه وتعالى


على عباده ، طهرة لنفوسهم من البخل ، ولصحائفهم من الخطايا ، كيف لا ؟


وقد قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم : { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها } ( التوبة : 103 ) ، كما أن فيها إحسانا إلى الخلق ، وتأليفا بين قلوبهم ، وسدا لحاجتهم ، وإعفافا للناس عن ذل السؤال .



وفي المقابل : إذا منع الناس زكاة أموالهم كان ذلك سببا لمحق البركة من الأرض ، مصداقاً لحديث بريدة رضي الله عنه : ( ما منع قوم الزكاة إلا حبس الله عنهم القطر ) رواه الحاكم و البيهقي ، وقد توعد الله سبحانه وتعالى مانعي الزكاة بالعذاب الشديد في الآخرة ، فقال تعالى : { ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة } ( آل عمران : 180 ) ، وقد جاء في صحيح مسلم في شرح قوله تعالى : { والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم } ( التوبة : 34 ) ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (


ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها ، إلا إذا كان يوم القيامة ،


صفحت له صفائح من نار ، فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه


وظهره ، كلما بردت أعيدت له ، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، حتى يقضى


بين العباد ، فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار ) ، فكان عقابه من الله بماله الذي بخل به على العباد .



الركن


الرابع : صيام رمضان ، وهو موسم عظيم ، يصقل فيه المسلم إيمانه ، ويجدد


فيه عهده مع الله ، وهو زاد إيماني قوي يشحذ همته ليواصل السير في درب


الطاعة بعد رمضان ، ولصيام رمضان فضائل عدّة ، فقد تكفل الله سبحانه


وتعالى لمن صامه إيمانا واحتسابا بغفران ما مضى من ذنوبه ، ، وحسبُك من


فضله أن أجر صائمه غير محسوب بعدد .



أما خامس هذه الأركان : فهو الحج إلى بيت الله الحرام ، ، وقد فرض في السنة التاسعة للهجرة ، يقول الله تعالى : { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } (


آل عمران : 97 ) ، وقد فرضه الله تعالى تزكية للنفوس ، وتربية لها على


معاني العبودية والطاعة، فضلاً على أنه فرصة عظيمة لتكفير الذنوب ، فقد


جاء في الحديث : ( من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق ، رجع كيوم ولدته أمه ) رواه البخاري و مسلم .




وعلى


هذه الأركان الخمسة ، قام صرح الإسلام العظيم ، نسأل الله سبحانه أن


يوفقنا لكل ما فيه رضاه ، وأن يصلح أحوالنا ، إنه ولي ذلك والقادر عليه .





الحديث الرابع : الأعمال بخواتيمها




الحديث
عن أبي عبدالرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، قال : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق قال : (
إن أحدكم يُجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفةً ، ثم يكون علقةً مثل
ذلك ، ثم يكون مضغةً مثل ذلك ، ثم يُرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ،
ويُؤمر بأربع كلمات : بكتب رزقه ، وأجله ، وعمله ، وشقي أم سعيد . فوالله
الذي لا إله غيره ، إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة ، حتى ما يكون بينه
وبينها إلا ذراع ، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار ، وإن أحدكم
ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ، فيسبق عليه
الكتاب ، فيعمل بعمل أهل الجنة )
رواه البخاري و مسلم .




الشرح
أورد الإمام النووي -
رحمه الله – هذا الحديث لتعريف المسلم بحقيقة الإيمان بالقضاء والقدر ،
فقد دار الحديث حول التقدير العمري للإنسان ، وما يشمله ذلك من ذكر مراحل
خلقه وتصويره ، ليعمّق بذلك إدراكه وتصوّره لحقائق الموت والحياة ،
والهداية والغواية ، وغيرها من الأمور الغيبية ، فيتولّد في قلبه الشعور
بالخوف من سوء العاقبة ، والحذر من الاستهانة بالذنوب والمعاصي ، ومن
الاغترار بصلاح العمل والاتكال عليها .



ولما
كان سياق الحديث يذكر شيئا مما لا تُدركه حواس البشر ولا إمكاناتهم في
ذلك الزمان – مما يتعلق بعلم الأجنة وأطوارها - ، اعتبر العلماء هذا
الحديث عَلَما من أعلام نبوته ، ودليلاً على صدق رسالته ؛ لأن هذا الوصف
التفصيلي المذكور هنا ما كان ليُعرف في ذلك الوقت ، وإنما عٌرف في
الأزمنة المتأخرة بعد تطور العلوم وآلاتها ، وهذا الذي جعل ابن مسعود رضي الله عنه يصدّر حديثه بقوله : ( حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق ) فهو الذي ما أخبر بشيء على خلاف الواقع ، وما جُرّب عليه كذب قط ، ولا يُوحى إليه من ربّه إلا الحق .



وقد جاء ذكر مراحل تطوّر خلق الإنسان في بطن أمه على مراحل أربعة ، أولها : ما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم : ( إن أحدكم يُجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفةً ) ،
إنها مرحلة التقاء ماء الرجل بماء المرأة ، ويظل هذا الماء المهين على
حاله ، قبل أن يتحوّل إلى طور آخر ، وهو طور العلقة ، ويٌقصد بها قطعة
الدم الجامدة ، وسُمّيت بذلك لأنها تعلق في جدار الرحم .



ومع
مرور الأيام تزداد تلك العلقة ثخونة وغلظة حتى تتم أربعيناً أخرى ،
لتتحوّل إلى قطعة لحم صغيرة بقدر ما يُمضغ – ومن هنا جاء اسمها - ، وقد
ذكر الله تعالى وصفها في قوله : { مضغة مخلقة وغير مخلقة } (
الحج : 5 ) ، وتظلّ تلك المضغة تتشكل تدريجياً ، حتى إذا أتمت مائة
وعشرين يوما ، عندها تأتي المرحلة الرابعة : فيرسل الله سبحانه وتعالى
الملك الموكّل بالأرحام ، فينفخ فيها الروح ، فعندها تدب فيها الحركة ،
وتصبح كائناً حياً تحس به الأم .



ونجد هذه الصورة التفصيلية المذكورة في الحديث مواقفة لكتاب الله ، في مثل قوله تعالى: {
ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ، ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ، ثم
خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا
العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين }
( المؤمنون : 12 – 14 ) ، وقوله تعالى : {
يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة
ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما
نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا }
( الحج : 5 ) .



ولك
أيها القاريء الكريم أن تلتمس الحكمة من خلق الإنسان طورا بعد طور – وهو
القادر سبحانه على أن يقول للشيء كن فيكون - ، إنها تربية إيمانية على
التأني في الأمور ، وعدم استعجال النتائج ، كما أنها توضيح للارتباط
الوثيق الذي جعله الله سبحانه وتعالى بين الأسباب والمسبّبات ، والمقدمات
والنتائج ، ومراعاة نواميس الكون في ذلك .



وبعد
هذا الوصف العام لتلك الأطوار ، يحسن بنا أن نسلط الضوء على بعض القضايا
المتعلقة بهذه المراحل ، فنقول وبالله التوفيق : لم يختلف العلماء على
أن نفخ الروح في الجنين إنما يكون بعد مائة وعشرين يوماً ، وهو ما دلت
عليه الأدلة ، وحينئذ فقط تتعلق به الأحكام الفقهية ، فإذا سقط الجنين في
ذلك الوقت صُلّي عليه – كما هو في مذهب الإمام أحمد - ، وكذلك تجري عليه
أحكام الإرث ووجوب النفقة وغيرهما ، لحصول الثقة بحركة الجنين في الرحم ،
ولعل هذا يفسّر لنا تحديد عدة المرأة المتوفّى عنها زوجها بأربعة أشهر
وعشرة أيام – حيث تتحقق براءة الرحم من الحمل بتمام هذه المدة - .



إلا أنه حصل الخلاف في تحديد المرحلة التي يحصل فيها تقدير أمور الرزق والأجل والشقاء والسعادة ، فظاهر حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن ذلك يكون بعد الأربعين الثالثة ، ويخالفه حديث حذيفة بن سعيد الغفاري رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (
إذا مر بالنطفة اثنتان وأربعون ليلة ، بعث الله إليها ملكا ، فصورها
وخلق سمعها وبصرها ، وجلدها ولحمها وعظامها ، ثم قال : يا رب ، أذكر أم
أنثى ؟ ، فيقضى ربك ما شاء ، ويكتب الملك ثم يقول : يا رب ، أجله ؟ ،
فيقول ربك ما شاء ، ويكتب الملك ثم يقول : يا رب ، رزقه ؟ فيقضى ربك ما
شاء ، ويكتب الملك ، ثم يخرج الملك بالصحيفة في يده ، فلا يزيد على ما
أمر ولا ينقص )
رواه مسلم ، فظاهر الحديث أن تقدير الرزق والأجل يكون في الأربعين الثانية .



وقد سلك العلماء عدة مسالك للجمع بين الحديثين ، وبالنظر إلى ألفاظ حديث حذيفة رضي الله عنه ، نجد أن الجمع بين الحديثين ممكن ، وذلك بأن نجعل المراد من قوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا مرّ بالنطفة ) هو مرور زمن يصدق عليه الأربعون – وهو الزمن المذكور في حديث ابن مسعود - ، فهذه الفترة وإن كانت غير محددّة في حديث حذيفة إلا أنها حُددت في حديث ابن مسعود بمائة وعشرين يوماً .



وهناك جمع آخر ، وهو أن نقول : إن قوله صلى الله عليه وسلم : ( فصورها وخلق سمعها وبصرها ، وجلدها ولحمها وعظامها ) المقصود
به تقدير خلق هذه الأعضاء ، وعليه : فالكتابة حاصلة مرتين ، أو أن نقول
أن الحديث قد عبّر عن كتابة التصوير والتقدير بالتخليق اعتبارا بما سيؤول
إليه الأمر ، والله أعلم .



والذي دعا إلى تأويل حديث حذيفة رضي الله عنه ، ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية من احتمال اضطراب في ألفاظه ، ومخالفته لظاهر القرآن ، فلا يصلح أن يُعارض به ما ثبت في الصحيحين ، يقول ابن تيمية :
" ..ولهذا اختلفت رواته في ألفاظه ، ولهذا أعرض البخارى عن روايته ، وقد
يكون أصل الحديث صحيحا ، ويقع في بعض ألفاظه اضطراب ، فلا يصلح حينئذ أن
يعارض بها ما ثبت في الحديث الصحيح المتفق عليه الذى لم تختلف ألفاظه ،
بل قد صدّقه غيره من الحديث الصحيح " (مجموع الفتاوى : 4-240 ) .



كما يجدر بنا أن نشير إلى ما يتوهّمه البعض من مخالفة هذا الحديث لظواهر القرآن الكريم ، ويظنون معارضة الحديث لقوله تعالى : { إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام } (
لقمان : 34 ) ، والحق أنه لا تعارض بينها ، فمن المقرّر عند كل مسلم أن
الله يعلم الغيب ، ومن هذا الغيب : علم سعادة الإنسان وشقاوته ، وعمره
وأجله ، وعمله وسعيه ، ومن ذلك أيضا : معرفة جنس المولود قبل الأربعين
الثالثة ، أما بعد ذلك فإنه يصبح من علم الشهادة ، أو ما يُطلق عليه الغيب
النسبي ، إذ بعد الأربعين الثالثة يُطلع الله الملك على جنس المولود ، بل
يُطلعه على شقاوته وسعادته ، فمعرفة الإنسان لجنس المولود في تلك الفترة
ما هو إلا انكشاف لغيب نسبي قد عرفه من قبله الملك ، وليس علما بالغيب
الحقيقي الذي يكون قبل الأربعين الثالثة ، بل قبل كون الإنسان نطفة .



وإذا
عدنا إلى سياق الحديث ، نجد أنه ذكر مراحل الخلق كان تمهيدا لبيان أهمية
الثبات على الدين ، وتوضيحاً لحقيقة أن العبرة بالخواتيم ، فربما يسلك
الإنسان أول أمره طريق الجادة ، ويسير حثيثا نحو الله ، ثم يسبق عليه
الكتاب فيزيغ عن سواء الصراط فيهلك .



بيد
أن ضلاله ذلك لم يكن أمرا طارئا ، بل هو حصيلة ذنوب خفيّة ، تراكمت على
القلب ، حتى ظهر أثرها في آخر حياته ، فانصرف القلب عن الله تبارك وتعالى
، وخُتم له بتلك الخاتمة السيئة، ويؤكد ما سبق ، ما جاء في الرواية
الأخرى لهذا الحديث : ( إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس ) ، وقديما قالوا : الخواتيم ميراث السوابق .



وفي
المقابل قد يكون المرء بعيدا عن الله ، متبعا لخطوات الشيطان ، ثم تدركه
عناية الله له في آخر حياته ، فيحيي الله قلبه ، وينشرح بالإيمان صدره ،
ثم يُختم له بخاتمة السعادة .



وبالجملة فإن السائر إلى الله ينبغي أن يستصحب معه إيمانه بالقضاء والقدر ، ويكون وسطا بين الخوف والرجاء ، حتى يوافيه الأجل.



الحديث الخامس : إبطال المنكرات والبدع



[right]الحديث

عن ام المؤمنين أم عبد الله عائشة رضي الله عنها ، قالت : قال رسول الله صلي الله صلى الله عليه وسلم (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ). رواه البخاري [ رقم : 2697 ] ، ومسلم [ رقم :1718 ].





وفي رواية لمسلم : ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد )




الشرح





هذا الحديث قال العلماء: إنه ميزان ظاهر الأعمال وحديث عمر الذي هو في أول الكتاب { إنما الأعمال بالنيات } ميزان باطن الأعمال، لأن العمل له نية وله صورة فالصورة هي ظاهر العمل والنية باطن العمل.






[right]وفي هذا الحديث فوائد:


أن من أحدث في هذا الأمر - أي الإسلام - ما ليس منه فهو مردود عليه ولو


كان حسن النية، وينبني على هذه الفائدة أن جميع البدع مردودة على صاحبها


ولو حسنت نيته.







ومن فوائد هذا الحديث:


أن من عمل عملاً ولو كان أصله مشروعاً ولكن عمله على غير ذلك الوجه الذي


أمر به فإنه يكون مردوداً بناءً على الرواية الثانية في مسلم.



وعلى
هذا فمن باع بيعاً محرماً فبيعه باطل , ومن صلى صلاة تطوع لغير سبب في
وق
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الأربعون النوويه مع الشرح
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
ماي واي :: الطريق الى الله :: المنتدى الاسلامى العام-
انتقل الى: